هَذَا الطَّريقُ لهُ بَرِيقٌ, وَقَد تَتَكَسَّبُ مِنهُ وَأَنتَ لَا تَدرِي, فَتَأخُذ مِنهُ حَظَّك؛ دُنيَا مُحصَّلَة وَعَرضًا زَائلًا.
النَّاسُ يُكرِمُونَك فِي البَيعِ وَفِي الشِّراءِ لمَا؟!
لِدينِكَ وَعِلمِك, يَحسَبُونَكَ قَرِيبًا مِنَ اللهِ, وَتَشتَرِي أَنتَ الدُّنيَا بِالآخِرَةِ!!
لمَاذا يُكرِمُونَك فِي البَيعِ وَفِي الشِّراءِ؟ لمَاذا يُقدِّمُونَكَ فِي المَجَالِسِ وَيَحْتَفُونَ بِكَ؟!
لمَاذا يُكرِمُونَكَ فِي العَطَاءِ؟! فِي المَأكَلِ وَالمَشرَبِ وَمَا أَشبَه!!
لمَاذا يُرِيحُونَكَ وَيَحْدِبُونَ (يَعطِفُونَ أَو يَرفِقُون) عَلَيك؟! مِن أَجلِ دِينِك, وَأَنتَ تَفرَحُ بِذَلِك!!
لَيسَ هَذا مِنَ الإِخلَاصِ, لَقَد كَانَ النَّبيُّ ﷺ إِذَا مَا كَانَ فِي السَّفَرِ يَأبَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا يَقُولُ: ((وَعَلَيَّ جَمعُ الحَطَب)) ﷺ, وَعَلَى نَهجِهِ صَارَ الصَّالِحُون.
أَبُو بَكر وَصَّاهُ النَّبيُّ ﷺ أَلَّا يَسأَلَ أَحَدًا مِنَ الخَلقِ شَيئًا, كَانَ سَوطُهُ يَقَعُ مِن يَدِهِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ فَيُنِيخُهُ ثُمَّ يَنزِلُ فَيَلتَقِطُهُ.
يَقُولُونَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ هَلَّا أَمَرتَنَا فَنَاوَلنَاكَهُ
يَقُولُ: لَقَد عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ أَلَّا أَسأَلَ أَحَدًا شَيئًا.
كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُونَ –رَضِيَ اللهُ عَنهُم- لَا يَقبَلُونَ إِكرَامًا يَكُونُ مِن أَجلِ أَنَّهُم يَدعُونَ النَّاسَ إِلَى اللهِ, أَوْ أَنَّهُم قَرِيبُونَ مِنَ اللهِ –تَبَارَك وَتعَالَى-.
لَا يَتَأكَّلُونَ بِدِينِهِم!! وَإِنَّمَا يُسَاوُونَ أَنفُسَهُم بِإخوَانِهِم مِنَ المُؤمِنِين.
بَلْ إِنَّ الإِنسَانَ لَا يَكُونُ مُخلِصًا إِذَا رَأَى لِنَفسِهِ عَلَى أَحَدٍ مِن إِخوَانِهِ مِنَ المُسلِمِينَ فَضلًا...
لَا يَكُونُ مخلصًا إِذَا رَأَى لِنَفسِهِ عَلَى أَحَدٍ مِن إِخوَانِهِ مِنَ المُسلِمِينَ فَضلًا, بَلْ يَرَى إِخوَانَهُ مِنَ المُسلِمِينَ أَفضَلَ مِنهُ
يَتَّهِمُ نِيَّتَهُ... يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفسِهِ, أَنْ يَكُونَ مُرائِيًا... أَنْ يَكُونَ دَاعِيًا إِلَى ذَاتِهِ... أَنْ يَكُونَ مُظهِرًا لمَا لَا يُضمِرُهُ وَمَا استَكَنَّ فِي قَلبِهِ.
فَلَا يَكُونُ مُخلِصًا إِلَّا إِذَا رَأَى إِخوَانَهُ مِنَ المُسلِمِينَ أَقرَبَ مِنَ اللهِ مِنهُ, وَأكَثَر حِرصًا عَلَى الآخِرَةِ مِنهُ, وَلِذَا يَقُولُ: مَن أَكُونُ؟ وَمَا أَكُونُ؟
مَنْ أَكُونُ وَمَا أَكُونُ؟! لَستُ شَيئًا, وَيَخشَى سُوءَ الخَاتِمَة؛ لِأَنَّ الإِنسَانَ لَا يَأمَنُ عَلَى مَا يَخرُجُ مِنَ الدُّنيَا, فَقَد يَزِيغُ قَبلَ الوَفَاةِ وَيَخرُجُ كَافِرًا, وَالمَعصُومُ مَن عَصَمَهُ اللهُ.
مُحَمَّدُ بنُ المُنكَدِر فِي القِصَّةِ المَشهُورَةِ عَنهُ, حَكَى عَن رَجُلٍ لَمْ يَعلَم لَهُ اسمًا وَلَا رَسمًا سِوَى مَا بَقِيَ مِن بَقَايَا مِن أَثَارِ رَسمِهِ فِي مَخِيلَتِهِ وَذِهنِهِ قَالَ:
((أَمسَكَ اللهُ –تَبَارَك وَتَعَالَى- الغَيثَ عَن أَهلِ مَدِينَةِ نَبِيِّهِ ﷺ فَأَصَابَهُم القَحطُ وَالجَدبُ, وَخَرَجُوا يَستَسقُونَ فَلَم يُجيبْهُم رَبُّهُم وَلَم يَسقِهِم.
قَالَ: وَكُنتُ فِي مَسجِدِ النَّبِيِّ ﷺ يَومًا فِي السَّحَرِ الأَعلَى –قَالَ:- فَجَاءَ عَبدٌ أَسوَدٌ عَلَى كَتِفَيهِ رِدَاءٌ وَعَلَى حِقْوَيهِ إِزَارٌ, –قَالَ:- فَوَقَفَ وَرَاءَ السَّارِيَةِ –جَعَلَهَا سُترَة- فَصَلَّى رَكعَتَينِ, فَلَمَّا فَرَغَ مِنهُمَا رَفَعَ يَدَيهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَد أَمسَكتَ الغَيثَ عَن أَهلِ مَدِينَةِ نَبِيِّكَ ﷺ, وَقَد خَرَجَ النَّاسُ إِلَيكَ يَستَسقُونَكَ فَلَم تَسقِهِم, فَاللَّهُمَّ إِنِي أَستَسقِيكَ لِأَهلِ مَدِينَةِ نَبِيِّكَ ﷺ.
قَالَ ابنُ المُنكَدِر: فَوَاللهِ مَا وَضَعَ يَدَيهِ حَتَّى أَرسَلَ اللهُ –تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الغَيث, وَحَتَّى أَهَمَّ النَّاسُ كَيفَ يَعُودُونَ إِلَى دِيَارِهِم, وَمَا خَرَجنَا بَعدَ الصَّلَاةِ إِلَى بِيوتِنَا إِلَّا وَنَحنُ نَخُوضُ فِي المِيَاهِ خَوضًا.
قَالَ: قُلتُ: لَأَعلَمَنَّ خَبَرَهُ, وَكَانَ قَد فَاتَ وَأَعجَزَنِي
فِي اللَّيلَةِ الثَّانِيَةِ جَاءَ فَتَبِعتُهُ, فَدَخَلَ بَيتًا وَضِيعًا, وَإِذَا هُوَ إِسكَاف يَقُومُ عَلَى نِعَالِ النَّاسِ يَخصِفُهَا وَيَرقَعُهَا وَيُصلِحُهَا, وَسِندَانُهُ وَمِطرَقَتُه, فَدَخَلتُ عَلَيهِ –وَكَانَ ابنُ المُنكَدِرِ مَعرُوفًا- فَلَمَّا دَخَلتُ عَلَيهِ وَسَلَّمتُ قَالَ: مَرحبًا بِكَ يَا ابنَ المُنكَدِرِ, مَا جَاءَ بِكَ؟
-يَعنِي: أَتُرِيدُ أَنْ أَصنَعَ لَكَ نَعلًا؟ أَوْ أُصلِحُ لَكَ حِذَاءً؟ مَا جَاءَ بِكَ؟-
قَالَ: أَلَستَ بِصَاحِبِي يَومَ أَمسٍ
قَالَ: فَانقَلَبَت -حَمَالِيقُ وَجهِهِ- حَمَالِيقُ عَينَيهِ وَقَالَ: وَمَا أَنتَ وَذَاكَ يَا ابنَ المُنكَدِر؟! َالَ: فَخِفتُهُ فَمَضَيتُ ثُمَّ رَجَعتُ بَعدَ ذَلِكَ إِلَى مَسجِدِ النَّبِيِّ ﷺ فِي اليَومِ الذِي تَلَى ذَلِكَ اليَوم, فَكُنتُ عِندَ السَّارِيَة فَلَم يَأتِ -صَلَينَا وَلَم يَأتِ-, خَرَجتُ إِلَى البَيتِ فَلَم أَجِد أَحَدًا, فَنَادَيتُ عَلَى جِيرَانِهِ وَقُلتُ: أَينَ ذَهَبَ الرَّجُل؟
قَالُوا: مَا صَنَعتَ بِهَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ يَا ابنَ المُنكَدِر؟ وَمَا صَنَعتَ بِنَا؟!
لَقَد كَانَ رَجُلًا صَالِحًا, إِنَّكَ مُنذُ جِئتَهُ وَمَضَيتَ ذَهَبَ وَلَن يَعُودَ)) وَلَكِنَّ اللهَ يَعلَمُهُ.
اخْلِص للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِنَّمَا يَتَعَثَّرُ مَن لَم يُخلِص
كَانُوا يُعَلِّمُونَنَا النِيَّةَ كَمَا يُعَلِّمُونَنَا السُّورَةَ مِنَ القُرآنِ
قَالَ سُفيَانُ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: ((وَمَا عَالَجْتُ
شَيئًا هُوَ أَشَدُّ عَلَيَّ مِن نِيَّتِي))
وَمَا عَالَجْتُ شَيئًا هُوَ أَشَدُّ عَلَيَّ مِن نِيَّتِي!!
تعليقات
إرسال تعليق